“ما كذب الفؤاد ما رأى”ØŒ قراءة في قصّة الإسراء Ùˆ المعراج، في 24 أبريل 2016ØŒ (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الحمد لله رب العالمين!

لقي النبي محمد -صلى الله عليه، وسلم!- من قومه أذى كثيرًا، لأنّ ما كان يدعوهم إليه أمر عظيم (الإسلام). إنّ الفكرة الإسلاميّة تعني بالضرورة تغييرا شاملا وحادا في ثقافة وأفكار وأخلاق وسلوك المؤمنين بها، وتغييرا في النظام الاجتماعي والسياسي ومن ثم الاقتصادي، لا مجرد تغيير في شكل أو اسم الإله المعبود؛ فكان أهل مكة -وهم أيضا أهل النبي محمد- هم أوّل من حاربوا الفكرة الجديدة الوليدة في مهدها، وحاربوا النبي محمدًا بالتبعيّة. أراد النبي محمد أن يعدد الجهات والفئات من البشر التي يدعوها إلى الإسلام؛ فاتّجه جنوبا ناحيه الطائف، وقابل من رجالها ناسا عرض عليهم الإسلام، لكنّهم رفضوا الفكرة، ولم يكتفوا بالرفض، بل أهانوه إهانة بالغة! حزن النبي من ذلك حزنا شديدا؛ فكان يتضرع إلى الله باكيا، وكان مما قال “إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي”ØŒ أو كما قال.
واسَتِ السماء النبي محمدًا -صلى الله عليه، وسلم!- فيما لاقاه من أذى، بأن أرسلته لزيارة الملأ الأعلى؛ فكان لزاما إعداد النبي محمد لهذه الرحلة، بما يؤهله لإدراك أمور أعلى من قدرته على الإدراك؛ فملأ الله قلبه إيمانا.
نظر، أبصر، شاهد، أدرك، رأى
هناك مشكله ظهرت مؤخرا على الساحة اللّغوية العربيّة، هي تفسير معاني الكلمات السابقة. إنّ المشكلة تكمن في مفهوم ومعنى كلمة “رأى”. البعض يفهمها بمعنى “أبصر” أو “شاهد”. وأؤكد أن معناها الخبرة المكتسبة من تفاعل سابق، ومنها الرأي. وتكتسب الخبرة نتيجة استعمال وسائل الإدراك، كتحقق السمع، أو وقوع النظر على الأشياء والأحداث، ومن ثم البصر بها وإدراكها وفهمها، وإن كانت هذه الأشياء متحركة تكون مشاهدة، ثم يكون التفاعل مع هذه الأشياء أو الأحداث، ونتيجة لهذا التفاعل تنتج الخبرة والدراية والوعي. ومن الممكن أن تكتسب الخبرة عن طريق آخر غير النظر والبصر والمشاهدة؛ فقد تكتسب الخبرة عن طرق السماع، ومن الممكن والنادر أن تكون الخبرة عن طرق أخرى، والله أعلم!
وتظهر مشكلة بشريّة يعاني منها الكثيرون، هي كذب وسيلة الإدراك، بمعنى خطئها في فهم واحتواء الموجودات والمشاهدات، لعيب فيها أو ضعف أو مرض، بحيث إن هذا العيب يجعلها تخطئ في توصيف الحالة محل الإدراك؛ فيقال مثلا: كذبت العين…
وفي هذه الحالة (الإسراء والمعراج)ØŒ سافر النبي محمد إلى الملا الأعلى، حيث لا زمن، وتفاعل مع موجودات هناك، وفيها تتعطّل الحواس البشريّة الدنيويّة، لأن مجرّد محاولة استعمالها -إن جاز لها ذلك- يعني فناءها وتلاشيها، وقبل أن نرهق عقولنا بإيجاد الوسيلة التي أدرك بها النبي الموجودات العلويّة ذكر الله الفؤاد -الفؤاد هو القلب أو العقل- وتجنب في الآية الكريمة ذكر القلب لأنّه متقلّب. ذكر الفؤاد لأنّه محل حصول الفائدة، وأكّد كفاية فؤاد النبي محمد -صلى الله عليه، وسلّم!- لفهم وإدراك واحتواء الأحداث والموجودات التي تفاعل معها -ومن ثمّ رآها- وهو في ضيافة الملأ الأعلى، بقوله -تعالى!-: “ما كذب الفؤاد”. وأؤكّد أنّ كلمة “رأى”ØŒ في الآية تعني “تفاعلَ”ØŒ Ùˆ”تعاملَ”ØŒ لا “أبصرَ”ØŒ Ùˆ”شاهدَ”ØŒ وأنّها تعود على النبي محمد -صلى الله عليه، وسلّم!- لا الفؤاد، أي: يا أيّها المؤمنون، ثقوا بأنّ فؤاد النبي محمد لم يكذب عليه في إدراك الأحداث التي رآها في إسرائه ومعراجه وذكرها لكم،
والله أعلم!

Related posts

Leave a Comment